spot_img

    ذات صلة

    كيف ستغير التطورات في مجال التكنولوجيا المالية الاقتصادات في الشرق الأوسط وإفريقيا؟

    تستمر سوق التكنولوجيا المالية العالمية في النمو بوتيرة سريعة ومن المتوقع أن تبلغ قيمتها 332.5 مليار دولار بحلول عام 2028، وفقًا لشركة Vantage للأبحاث السوقية. تسعى...

    جان كريستوف دوراند يقود بنك البحرين الوطني نحو تعزيز خططته المالية لمستقبل أكثر استدامة

    يعد جان كريستوف دوراند، الرئيس التنفيذي لبنك البحرين الوطني (NBB) والخبير في مجال التمويل، شاهداً على التحول الاقتصادي في البحرين، الدولة التي أقام فيها لفترة طويلة. ويستذكر متأملًا عبر نافذة مكتبه: “أذكر بوضوح المرة الأولى التي أتيت فيها إلى البحرين منذ 33 عامًا. حينها لم تكن هذه الطريق السريعة التي يمكنك رؤيتها من المكتب موجودة، بل كانت طريقًا على طول البحر”.

    في ذلك الوقت، كانت البحرين سوقًا صغيرة تعتمد على الهيدروكربونات. وقبل أقل من عقدين من الزمن، كان النفط يمثل %50 من الناتج المحلي الإجمالي للبحرين، وفقًا لبيانات مجلس التنمية الاقتصادية في البحرين. أما اليوم، فيمثل أقل من %20. يوضح دوراند: “ما كان يومًا سوقًا ناشئة أصبح اليوم اقتصادًا حديثًا”.

    يعد بنك البحرين الوطني أحد الشركات الرئيسية التي شهدت رحلة التحول للدولة. حيث أسس في عام 1957 كأول بنك تجزئة مملوك محليًا في البحرين، ثم توسعت أعماله اليوم لتشمل 3 دول: البحرين والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، ويعمل لدى المجموعة 1110 موظفًا. كذلك ارتفع صافي الربح الموحد لبنك البحرين الوطني بنسبة %8.5، من 134.5 مليون دولار في عام 2020 إلى 145.9 مليون دولار في عام 2021.

    في العام الماضي، حافظت المجموعة على مكانتها الرائدة في سوق الخدمات المصرفية للأفراد، مع أكثر من 264 ألف عميل، وزيادة بنحو %18 في محفظة القروض، إذ بلغت نسبة القروض إلى الودائع %71.3. كما سجلت المجموعة 51.5 مليون دولار من صافي الأرباح، المنسوبة إلى المساهمين في حقوق الملكية، للربع الأول من عام 2022، بزيادة قدرها %24 مقارنة بـ41.4 مليون دولار عن الفترة نفسها من عام 2021. وقد أدرج البنك في بورصة البحرين، وبلغت قيمته السوقية 3.4 مليار دولار، حسب بيانات مايو/ أيار 2022.

    يعزو دوراند الفضل في ذلك إلى بيئة الأعمال المواتية في البحرين، وإلى التبني الرقمي المبكر لتعزيز النمو السنوي للأعمال. ويقول: “لقد تحسن الاقتصاد البحريني الآن بعد الجائحة واتخذ بنك البحرين الوطني استراتيجية حكيمة وحذرة للغاية، فيما يتعلق بإنشاء هوامش الأمان خلال الأوقات الصعبة في ظل الوباء”.

    على مدى 5 أعوام ماضية، أصبحت البحرين موطنًا لأحد أسرع قطاعات الخدمات المالية تطورًا في العالم، من حيث السياسات واللوائح. وفي عام 2017، أطلقت البحرين بيئة رقابية تجريبية للتكنولوجيا المالية (Fintech Regulatory Sandbox)، وأنشأت مركزها للتكنولوجيا المالية، خليج البحرين للتكنولوجيا المالية.

    ثم في مارس/ آذار 2022، أصبحت البحرين أول دولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تمنح ترخيص تداول الأصول المشفرة لشركة (Binance) إحدى أكبر منصات العملات الرقمية في العالم من حيث حجم التداول.

    مساهمة القطاع المالي في البحرين

    يوضح علي المديفع، الرئيس التنفيذي للاستثمار في مجلس التنمية الاقتصادية البحريني: ” تهدف استراتيجية قطاع الخدمات المالية الجديدة في إطار خطة التعافي الاقتصادي، نحو إبقاء مساهمة القطاع المالي في الناتج المحلي الإجمالي بحدود %20 حتى نهاية عام 2026، ثم زيادة المساهمة إلى %25. ويضيف: “مساهمة الخدمات المالية في الناتج المحلي الإجمالي تكاد تساوي نسبة مساهمة النفط، وهو إنجاز كبير خلال العقد الماضي”.

    فيما أشار محمد داماك، المدير الأول لتصنيفات المؤسسات المالية لدى(S&P Global Ratings) إلى إنه مع تحسن الظروف الاقتصادية تدريجيًا، يمكن للبحرين توقع نمو حجم القروض على مدى العامين المقبلين، مدفوعًا بشكل أساسي بقطاع التجزئة المصرفية.

    ويتوقع داماك بقوله: “نعتقد أن ربحية البنوك البحرينية ستستمر في التحسن مع بلوغ مستويات ما قبل الجائحة، لتحقيق عائد يتراوح من %7 إلى %8 على حقوق الملكية بحلول عام 2023. كما أن الاستثمار في التكنولوجيا واستخدام الرقمنة لتحسين العمليات، سيكون مجال التركيز الرئيسي“.

    التوسع الرقمي

    فيما يعمل البنك بالفعل نحو تحقيق ذلك. ففي عام 2021، أطلق تطبيقًا جديدًا للخدمات المصرفية عبر الهاتف بنظامي “iOS” و”أندرويد” للعملاء الأفراد (NBB Digital Banking). وفي العام الماضي، شكلت المعاملات عبر الإنترنت والهاتف المحمول %67 من إجمالي 1.1 مليون معاملة للبنك.

    يقول الرئيس التنفيذي: “على مدى الأعوام القليلة الماضية، استثمرنا كثيرًا في التكنولوجيا، لأننا لم نكن بحاجة إلى تطوير المؤسسة بما يتماشى مع الاتجاهات الجديدة في القطاع فحسب، بل كان علينا تولي زمام الريادة في هذا المجال أيضًا”.ويضيف:”يحتاج كل بنك في المستقبل إلى خدمة العملاء في إطار بيئة رقمية، بما يتجاوز الخدمات المصرفية التقليدية”.

    كما يهدف بنك البحرين الوطني إلى إصدار نسخة جديدة محدثة بالكامل لمنصته الرقمية المؤسسية، بحلول نهاية عام 2022. وبالنظر إلى البيئة المصرفية المستقبلية، نفّذ البنك استثمارات كبيرة في تضمين مبادئ الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات.

    الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات

    وفي أبريل/ نيسان، تصدر البنك القطاع المصرفي في العالم العربي، حسب نتائج تصنيف ريفينيتيف للحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات.

    كما صُنف البنك ضمن أفضل %10 من مزودي الخدمات المصرفية على مستوى العالم، وحصل على المركز الثاني عربيًا، على مستوى القطاعات جميعها. يقول دوراند: “رغم أن جهود الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات قد نُفّذت بشكل جدي، على صعيد دولي خلال العقد الماضي، إلا أنه من المفيد تطبيقها هنا في المنطقة، أكثر من كونها ضرورية فقط”.

    ويواصل: “لقد تركنا بصمتنا في هذا المجال المهم، وهذا جزء من مهمة الشفافية لدينا. وبينما سيكون من الصعب الحفاظ على مكانة قوية في المستقبل بين البنوك الأخرى، إلا أن ذلك يتيح المنافسة الصحية في القطاع”.

    في عام 2020، وضع بنك البحرين الوطني خارطة طريق للاستدامة على مدى 3 أعوام، ونشر أول تقرير سنوي متكامل عن الشؤون المالية والاستدامة في البحرين.

    تعزيز الاستدامة

    منذ ذلك الحين، حقق البنك العديد من الإنجازات الرئيسية. ففي عام 2021، أصبح أول بنك في البحرين يحصل على شهادة الإيزو (ISO 14001:2015) في نظم الإدارة البيئية. كما شكّل لجنة الاستدامة في العام الماضي، لتوفير معلومات عن السوق، ومتابعة التقدم المحقق في مجال الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية والإبلاغ عنها، وللإشراف على دمج سياسات وأهداف الاستدامة ضمن إطار أعمال وممارسات البنك.

    فيما شملت المنتجات والخدمات التي أطلقها البنك مؤخرًا لتحقيق أهداف الاستدامة: عروض التمويل الحصرية للألواح الشمسية وقروض السيارات الكهربائية والهجينة، وقروض التعليم. ويدعم ذلك التزام البحرين بتحقيق أهداف صافي الانبعاثات الصفرية بحلول عام 2060.

    يوضح دوراند: “أعتقد أن المجال الذي ربما نحتاج فيه إلى جذب المزيد من الاهتمام، هو الجانب البيئي مثل دعم الطاقة النظيفة”. كذلك يردد الرؤساء التنفيذيون الآخرون نهجه في مبادئ الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات. ووفقًا لتقرير رؤى الرؤساء التنفيذيين الصادر عن شركة (KPMG) لعام 2021، يرى %68 من الرؤساء التنفيذيين للمصارف في جميع أنحاء العالم، أن التحديات العالمية، مثل عدم المساواة في الدخل وتغير المناخ، تشكل تهديدًا لنمو الشركات.

    لذا يخطط %37 من الرؤساء التنفيذيين استثمار أكثر من %10 من الإيرادات، لجعل مؤسساتهم أكثر استدامة. في حين ترى نولين كاولي، شريك في (KPMG UK) عبر بيان لها: “تتغير التوقعات العامة والتنظيمية بسرعة، ولم يعد بإمكان المؤسسات تجاهل المطالبات بالشفافية والمساءلة فيما يتعلق بالحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات”.

    بينما يكشف علي المديفع: “نجد المستثمرين يتساءلون عن الامتثال لمعايير الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات أولًا، قبل النظر بشأن الربحية. ويضيف: “لا يعمل قطاع الخدمات المالية بمعزل عن القطاعات الأخرى. قبل تمويل أو تأمين مشروع استثماري، فإنهم ينظرون أيضًا إلى عوامل الحوكمة والاستدامة طويلة الأجل”.

    لكن تتمثل التحديات الراهنة في متابعة التقدم المحقق، في مجال الحوكمة البيئية والاجتماعية، وحوكمة الشركات والتقرير عنه. حيث وجدت نتائج استطلاع (Google Cloud) لعام 2021 للمسؤولين التنفيذيين ضمن القيادات العليا في الشركات، أن 3 من كل 4 مسؤولين تنفيذيين، يعتقدون أن الاستدامة قد تؤدي إلى تحولات قوية في الأعمال، لكن %36 فقط من الشركات قد طبقت بالفعل بعض هذه المقاييس، و%17 فقط يستخدمونها لإجراء تحسينات.

    إلا أن بنك البحرين الوطني يشق طريقه نحو دعم ممارسات الاستدامة. ومن الأمثلة على ذلك: متابعة الاستهلاك الورقي والإبلاغ عنه عبر أداة إعداد التقارير المرئي، مما مكنه من إثبات أن التحول الرقمي أدى إلى توفير أكثر من 4 ملايين استخدام ورقي سنويًا من إيصالات أجهزة الصراف الآلي، و212 ألف كشف حساب، و250 ألف كشف لبطاقات الائتمان. وفي عام 2021، أعاد البنك تدوير حوالي %24 من الورق المستخدم و343.6 كغم من النفايات البلاستيكية. كما يخطط الآن لتوسيع استخدام الألواح الشمسية عبر منشآته.

    لكن لكي يكون التأثير طويل المدى، يشير دوراند إلى أهمية تبني هذه الممارسات والإجراءات على مستوى الشركة، فيوضح: “تعد الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات، أسلوب فكر وعقلية مطبقة. حيث يحتاج كل شخص في الشركة إلى التفكير: كيف يمكنهم تحسين مساهمتهم في دعم مبادئ الحوكمة؟ لذا من المهم أن يكون لديهم إطار عمل يمكن تضمينه كجزء من حياتهم اليومية”.

    حقبة جديدة للبنك الوطني

    غير أن هذه ليست المرة الأولى التي كُلّف بها دوراند لتطوير مؤسسة تقليدية؛ إذ كان تعيينه منذ أكثر من 5 أعوام يشير إلى حقبة جديدة للبنك الوطني.

    وُلد دوراند ونشأ في فرنسا، وتخرج في المدرسة العليا للعلوم الاقتصادية والتجارية (ESSEC) في كلية إدارة الأعمال بباريس، قبل أن يبدأ مسيرته المهنية في عام 1980، حيث عمل لدى الحكومة الفرنسية كمحاضر جامعي في الكاميرون لمدة عامين.

    ثم في عام 1982، عمل لمدة 13 عامًا في قطاع التجزئة المصرفية التابع لبنك (Indosuez) المنحل الآن، في بولينيزيا الفرنسية، ليشغل بعد ذلك منصبًا في مجال الأعمال المصرفية التجارية، وإدارة الفروع في كينيا والبحرين.

    في عام 1996، انضم الخبير المالي إلى بنك باريس الوطني (BNP) في البحرين، حيث عُين نائبًا للرئيس التنفيذي. وقاد تحول المؤسسة بعد اندماج (BNP) مع (Paribas) في عام 1998، حيث قاد عملية الاندماج أولاً في البحرين، ثم على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي.

    وهناك أمضى 17 عامًا التالية، حيث شغل منصب الرئيس التنفيذي الإقليمي لشركة (BNP Paribas) في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا. وقد ركز دوراند على تحديث وتوسيع نطاق جاذبيتها، وزيادة حضورها الجغرافي، وفتح الطريق أمام الأعمال التجارية الأفريقية، بما في ذلك مناطق مثل: جنوب أفريقيا والمغرب، من خلال البحرين.

    وعندما تواصلت معه الحكومة البحرينية في عام 2016 لتطوير بنك البحرين الوطني، يؤكد دوراند على أنه كان مستعدًا لإجراء التغيير، ويستذكر بقوله: “ما كنت لأهتم بهذا الدور لو لم يضمن تغيير المؤسسة وجعلها تواكب القطاع سريع النمو. حيث تمثلت الفكرة في القيام بشيء مختلف، لتغييره وتطويره”. بذلك تولى منصبه الحالي كرئيس تنفيذي للبنك في عام 2016.

    خلال العام نفسه، تلقى وسام جوقة الشرف من الحكومة الفرنسية. واليوم، يشغل أيضًا مقاعد في مجالس إدارة العديد من اللجان المهنية في البحرين، بما في ذلك مجلس إدارة شركة طيران الخليج وبتلكو وبنك البحرين الإسلامي. كما يرأس دوراند مجلس إدارة غرفة التجارة والصناعة الفرنسية في البحرين، ومنصب مدير معهد البحرين للدراسات المصرفية والمالية.

    الخطط المستقبلية

    أما بالنسبة للأشهر المقبلة، فإن الهدف واضح لبنك البحرين الوطني: الاستمرار في زيادة وتنويع قاعدة عملائه من الأفراد للحفاظ على حصته السوقية الرائدة، وأن يكون ضمن أهم المؤسسات المصرفية التي تتعامل معها الكيانات الخاصة والحكومية جميعها في البحرين. يقول الرئيس التنفيذي: “هذا ليس بأمر فريد بالنسبة للبنوك الدولية، لكن أن يتخذ بنك محلي موقعًا قياديًا في المعاملات الرئيسية فهذا شيء مميز”.

    يؤكد بقوله: “النجاح المحقق في هذا الربع الأول ليس لمرة واحدة فقط. فهو ليس نتاج فترة ربع سنوية جيدة فقط. إنه قوة دافعة عملنا على بنائها بمرور الوقت، في بيئة مليئة بالتحديات، وهو زخم نتوقع استمراره”.

     

    spot_img