انصب اهتمام العالم خلال العامين الماضيين على مكافحة فيروس كوفيد-19، الذي أدى إلى وفاة 6.3 مليون شخص منذ إعلانه وباءً في مارس/آذار 2020.
ولكن مع التركيز على إجراءات مكافحة الفيروس الأحدث والأكثر ضررًا من الناحية الاقتصادية، بدأت معظم الجهود في مكافحة فيروسات أخرى أقدم وأشد فتكًا، مثل السل وجدري القردة، ما أفسح لها المجال للعودة بقوة خاصة خلال الشتاء الماضي.
وأثرت قيود الإغلاق والتباعد بين الأشخاص بدورها في تطور المناعة من العديد من الأمراض، كما سحب التركيز على أبحاث كوفيد-19 تمويلًا هامًا في تطوير لقاحات وعلاجات من أمراض أخرى تقتل الملايين سنويًا، مثل مرض نقص المناعة المكتسبة “HIV”.
عودة مقلقة
أعلنت منظمة الصحة العالمية إصابة أكثر من ألف شخص بفيروس نادر يسمى جدري القردة، في 29 دولة خارج القارة الإفريقية التي يستوطن في عدة دول بها. وأدى الفيروس إلى مقتل 66 شخصًا في دول بغرب ووسط إفريقيا.
وعلى الرغم من عدم وجود علاج فعال للمرض، تقول المنظمة إنه عادة ما يكون خفيفًا ويشفى في غضون شهر، مستبعدة أن يتحول إلى وباء على غرار كوفيد-19.
أما السل، الذي ظهر لأول مرة قبل 40 ألف عام ويقتل 1.5 مليون شخص سنويًا، فزاد عدد حالاته لأول مرة منذ عقد خلال عام 2020.
وقتل كوفيد-19 خلال نفس العام 1.8 مليون شخص، بينما جاء فيروس نقص المناعة البشرية كثالث أشد الفيروسات فتكًا بأكثر من 0.6 مليون شخص سنويًا.
وأبلغت منظمة الصحة العالمية عن ارتفاع عدد حالات الإصابة بالسل بنسبة 43% في جنوب شرق آسيا و25% في إفريقيا خلال عام إعلان كوفيد-19 وباء.
ويعد تشابه أعراض السل مع كوفيد-19، مثل السعال وارتفاع درجة الحرارة، من بين أبرز الأسباب التي أدت إلى تراجع الإبلاغ عن الإصابات ومن ثم زيادة الانتشار، حسبما ذكرت إدارة الصحة في ولاية واشنطن غرب الولايات المتحدة.
وشهدت الولاية وحدها ارتفاعًا في حالات السل بنسبة 22% على أساس سنوي خلال 2021.
أما الملاريا، التي تنتقل عبر لدغات البعوض، فسجلت ارتفاعًا بـ 14 مليون حالة في 2020 مقارنة بالعام السابق، لتبلغ 241 مليون حالة. وارتفعت الوفيات بنحو 69 ألف حالة إلى 627 ألف وفاة.
وفي فبراير/شباط الماضي، أعلنت الولايات المتحدة عن تضاعف عدد حالات الإصابة بالإنفلونزا الموسمية لأعلى مستوى مقارنة بالعامين الماضيين، كما استمر موسم ارتفاع الإصابات إلى شهر يونيو/حزيران الجاري، طبقًا لبيانات مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها الأميركية “CDC”.
مناعة متناقصة
من أبرز أسباب صعود الأمراض الأخرى، في وقت بدأ فيروس كوفيد-19 فيه الانحسار، نقص المناعة التي يكتسبها البشر طبيعيًا بالاحتكاك بعضهم ببعض.
ويشرح مصطفى عبد القدوس، الطالب المتخصص في طب الأنف والأذن والحنجرة بكلية الطب بجامعة القاهرة، أن التعامل البشري هو أحد أفضل مصادر المناعة التي يكتسبها الأشخاص ويتناقلونها لبعضهم البعض.
ويوضح “من المحتمل أن يكون التباعد الاجتماعي بسبب كوفيد-19 خلال العامين الماضيين أدى إلى قلة عدد الإصابات بأمراض عديدة، وأتاح الفرصة للفيروسات للتطور لتعود أقوى مع استعادة البشر تجمعاتهم مجددًا”.
وفي بريطانيا، تحقق السلطات في ارتفاع “غير طبيعي” في الإصابات بالالتهاب الكبدي الوبائي خلال الشهور الماضية.
ورجحت وكالة الأمن الصحي البريطانية “UKHSA” تراجع التعرض للفيروس خلال الجائحة، ما أدى إلى تطور الجينوم الخاص به بشكل أقوى.
إغفال التطعيمات
يؤكد عبد القدوس أيضًا أن الأطفال بشكل خاص مرشحون لأن يكونوا بيئة خصبة لتطور تلك الفيروسات مثل شلل الأطفال بسبب عدم التفات الأهالي للحصول على التطعيمات اللازمة في ظل التركيز على الانعزال ومكافحة كوفيد-19.
ويفسر ذلك عودة حملات التطعيم ضد شلل الأطفال بقوة في مصر خلال العام الماضي، بحسب عبد القدوس.
سحب التمويل
ومن بين المخاطر التي تهدد بالمزيد من انتشار الفيروسات الأخرى، تركيز العالم على أبحاث ولقاحات فيروس كوفيد-19 ماديًا، ما يحرم الأبحاث المتعلقة بمكافحة الأمراض الأخرى من مصادر التمويل المخصصة للبحث العلمي من قبل الحكومات.
وتوقع تقرير صادر عن شركة بيانات الصحة الأميركية “IQVIA”، أن ينفق العالم 157 مليار دولار على لقاحات كوفيد-19 خلال 5 أعوام حتى 2025.
ودعا بيان عن جامعة روشستر الأميركية للعودة للأبحاث التي تستهدف تطوير دواء لعلاج فيروس نقص المناعة المكتسبة “HIV” الذي يتعايش معه 38 مليون شخص حول العالم.
وأضافت الجامعة، التي اكتشفت الفيروس لأول مرة منذ 40 عامًا، أن السبب في تطوير لقاح كوفيد-19 بسرعة هو “تخصيص موارد ضخمة لصالح الأبحاث” مقابل مبالغ أقل لتطوير لقاحات مضادة لفيروس نقص المناعة المكتسبة.
ولا يزال الفيروس من دون علاج نهائي أو لقاح فعال، ولكن يمكن التعايش معه وإبطال العدوى به من خلال أدوية منتشرة حول العالم.
إلا أن الجامعة أشارت إلى أنه يمكن استخدام الأبحاث التي ساهمت في تطوير لقاح كوفيد-19 من أجل تطوير لقاح مماثل للفيروس، على الرغم من تعقيد الأخير وصعوبة اختراقه.