– يقدم رئيس الوزراء الأسترالي الأسبق كيفن رود في كتابه الجديد “حول شي جين بينغ”، تحليلاً معمقاً للتحوّلات الكبرى التي شهدتها الصين في مجالات السياسة والاقتصاد والسياسة الخارجية تحت قيادة الرئيس الصيني.
– ويستعرض الكتاب الأيديولوجيا المتجددة التي يصفها رود بـ “القومية الماركسية”، والتي كانت المحرك الأساسي في إعادة تشكيل مسار الصين على الصعيدين الداخلي والخارجي.
– لا شكّ أن كتاب رود، الدبلوماسي والباحث الأسترالي المخضرم، يمثل إسهامًا بالغ الأهمية في حقل الدراسات السياسية المعاصرة.
– فمن خلال تحليله النقدي المتعمق للقومية الماركسية الجديدة في الصين، يقدم لنا المؤلف رؤى ثاقبة حول أيديولوجية الحزب الشيوعي الصيني وسياساته، مدعمًا تحليله بخبرته الواسعة في الشؤون الدولية.
– لذا، يمثل هذا العمل، الذي يستند إلى بحث أكاديمي دقيق، مرجعًا أساسيًا لكل من يرغب في فهم التطورات الجارية في الصين وتأثيرها على الساحة الدولية.
التحول تحت قيادة بينغ
– شهدت الصين، منذ تولي شي جين بينغ مقاليد الحكم عام 2012، تحولًا جذريًا في مسارها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، انحرف بشكل واضح عن النهج الذي اتبعته في العقود الثلاثة الماضية تحت قيادة دينغ شياو بينغ وجيانغ زيمين وهو جينتاو.
للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام
– فقد قاد بينغ تحولًا أيديولوجيًا شاملًا، أسفر عن تحول السياسة الداخلية نحو “اليسار اللينيني”، والاقتصاد نحو “اليسار الماركسي”، بينما اتجهت السياسة الخارجية نحو “القومية المتشددة”.
إصلاحات بينغ: مركزية الحزب والسيادة
– يشير رود إلى أن الأيديولوجيا كانت حجر الزاوية في منظومة الحزب الشيوعي الصيني، لكنها تراجعت نسبيًا خلال عهد “الإصلاح والانفتاح” الذي قادته سياسات دينغ شياو بينغ.
– ومع تولي شي جين بينغ مقاليد الحكم، عادت الأيديولوجيا لتحتل مكانة مركزية في توجهات الحزب، حيث سعى إلى تعزيز قبضته على السلطة وإعادة توجيه الاقتصاد نحو نموذج أكثر استقلالية.
– يرى الرئيس الصيني أن سياسات الإصلاح والانفتاح السابقة قد أفضت إلى خلل في التوازن، أدى بدوره إلى إضعاف قبضة الحزب على مقاليد الأمور.
– لذا، سعى إلى إعادة تأكيد سلطة الحزب من خلال تعزيز دور الشركات المملوكة للدولة، وتقليص الاعتماد على الآليات السوقية العالمية.
– وعلى الصعيد السياسي، أغلق بينغ الباب أمام أي محاولة لتوسيع المشاركة الشعبية في صنع القرار، متبنياً نهجًا أكثر حذرًا في التعامل مع الغرب، ومنافسًا للنظام الدولي القائم من خلال مبادرات مثل “الحزام والطريق”.
انعكاسات الأيديولوجيا على الساحة الدولية
– يشدّد السياسي المخضرم على أن الأيديولوجيا تلعب دوراً محورياً في تشكيل السياسة الخارجية الصينية تحت قيادة بينغ، حيث تسعى الصين إلى تعزيز نفوذها العالمي وتحدي الهيمنة الأمريكية.
– مشيرًا إلى أن الصدام الأيديولوجي بين الطرفين بات أمراً لا مفر منه، لكنه يتخذ أشكالاً معقدة تتجاوز الصراع العسكري المباشر.
– ويرى رود أن بينغ يتبع استراتيجية متعددة الأوجه، تعتمد على الاستثمار في البنية التحتية العالمية، والتوسع البحري، والتأثير الثقافي، بهدف تحقيق أهدافه الاستراتيجية.
– ومع ذلك، يحذر من أن خطر اندلاع صراع عسكري حول تايوان لا يزال قائمًا، لا سيّما في ظل التصعيد المتزايد في العلاقات بين الصين والولايات المتحدة.
إرث بينغ: عصر جديد للصين
– يرى بينغ أن الصين اليوم قوية بما يكفي لاستعراض قوتها على الساحة الدولية، وذلك بخلاف أسلافه الذين تبنوا سياسة “إخفاء القوة وانتظار الوقت المناسب”، ومع ذلك، يظل هذا الاستعراض مشروطاً بموازنة دقيقة بين الطموح والحذر لتجنب عواقب غير محسوبة.
– والشاهد هنا، أنه إذا استمر شي في القيادة لعقد أو أكثر، فمن المرجح أن يصبح نهجه الأيديولوجي جزءاً أساسياً من هوية الصين الحديثة.
– أما إذا غادر المشهد السياسي في وقت مبكر، فقد يشهد العالم عودة الصين إلى سياسات أكثر مرونة، تعكس نمطاً تاريخياً من “التشديد ثم الانفراج”.
الخلاصة: أهمية فهم الصين الحديثة
– يُعد كتاب “حول شي جين بينغ” دليلاً شاملاً ومفصلاً لمن يرغب في فهم التحولات الجذرية التي تشهدها الصين ودورها المتصاعد على الساحة العالمية.
– فهو لا يقتصر على سرد الأحداث، بل يغوص في أعماق السياسات الصينية ودوافعها الأيديولوجية، مما يجعله مرجعًا قيماً لصنّاع القرار والأكاديميين ورجال الأعمال على حد سواء.
– يقدم المؤلف كيفن رود تحليلاً عميقاً ونقدياً يتيح للقارئ استشراف المستقبل وفهم التحديات والفرص التي تفرضها السياسات الصينية الجديدة على العالم.
المصدر: إنترناشيونال آفير