توظف صناعة السيارات الأوروبية حوالي 14 مليون شخص وتُمثل 7% من الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد الأوروبي، لكنها تواجه حالية عاصفة عاتية مع تراجع الطلب سواء داخل القارة العجوز أو خارجها.
إلى جانب التحول – المكلف والمحفوف بالمخاطر – من المركبات العاملة بمحركات الاحتراق الداخلي نحو السيارات الكهربائية، لكن الصين تجعل الأمر أكثر صعوبة مع تزايد المنافسة من شركاتها المحلية.
تنتشر السيارات الصينية العاملة بالكهرباء بجودة عالية وتكلفة منخفضة ويتم تصديرها لأوروبا بصورة متصاعدة، حتى أن الحصة السوقية للمركبات الكهربائية المصنوعة في الصين في الاتحاد الأوروبي قفزت إلى أكثر من 20% من حوالي 3% قبل ثلاث سنوات.
وذلك بسبب تركيز الصين على السيارات الكهربائية وتطوير بطارياتها بتكلفة أقل، بينما قضت الشركات المصنعة الأوروبية عقودًا في التركيز على محاولة جعل محركات الاحتراق الداخلي أكثر كفاءة.
ماذا يحدث؟
على مدار تاريخ “فولكس فاجن” – أيقونة الصناعة الألمانية والتي تمتلك أيضًا “أودي” و”سكودا” و”سيات” – الممتد 87 عامًا لم تغلق مصنعًا في البلاد، لكنها حاليًا تفكر في إغلاق ثلاثة مصانع وخفض أجور العاملين 10%.
للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام
كما أصدرت الشركة التي تعد ثاني أكبر مصنع للسيارات في العالم تحذيرات بشأن الأرباح مرتين خلال بضعة أشهر، لكنها ليست الوحيدة في صناعة السيارات الأوروبية التي تعاني.
تواجه “ستيلانتيس” – المالكة للعلامات التجارية “أوبل” و”فيات” و”بيجو” في أوروبا – ضغوطًا متنامية من السياسيين في إيطاليا والنقابات العمالية حتى يواصل أقدم مصانع “فيات” في تورين العمل رغم تراجع المبيعات.
في حين، تُصنع شركات صينية منها “بي واي دي” و”نيو” السيارات الكهربائية الأكثر تطورًا بتكلفة أقل حوالي 30% عن نظيراتها الأوروبية، وفي معارض بيع السيارات الصينية يقترب سعر الموديلات العاملة بالبطاريات من سعر السيارات التقليدية.
لذلك تراجعت مبيعات الشركات الأمريكية والأوروبية واليابانية بصورة حادة داخل الصين التي كانت في السنوات الأخيرة أكبر الأسواق جاذبية لعلامات تجارية منها “بي إم دبليو” و”مرسيدس-بنز”، وحتى “فولكس فاجن”.
وحسب بيانات شركة الاستشارات الصينية “أوتوموبيلتي”، تراجعت حصة العلامات التجارية الأجنبية من مبيعات السيارات الصينية إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق عند 37% في أول 8 أشهر من العام الحالي، مقارنة مع نسبة بلغت 64% في عام 2020.
وهو ما يضع ضغوطًا أيضًا على المشروعات المشتركة للشركات الغربية التي أسستها مع شركاء محليين في الصين عند دخولها السوق لأول مرة.
وتدرس “فولكس فاجن” إغلاق مصنعها التي تشغلها مع شريكتها “سايك”، كما سحبت “مرسيدس-بنز” مشروع مشترك للسيارات الكهربائية – عمره 13 عامًا – مع “بي واي دي”.
ضعف المبيعات
لم تتعافي مبيعات السيارات في أوروبا إلى مستويات ما قبل الوباء بعد، مع تأثير معدلات الفائدة المرتفعة سلبًا على الطلب، فضلاً عن تحول الصناعة نحو المركبات الخالية من الانبعاثات الكربونية.
لأنه بعد عام 2035 سيكون من المستحيل بيع سيارة تعمل بالبنزين أو الديزل داخل الاتحاد الأوروبي وفي أسواق أخرى مثل المملكة المتحدة، حسب التشريعات الحالية.
لكن لا يزال إنتاج السيارات الكهربائية عالي التكلفة في أوروبا، وهو ما يعود في الغالب لتكلفة البطارايات المرتفعة، بينما يرغب المستهلكين في أسعار أرخص والمزيد من توافر محطات الشحن، لذا يؤخر العملاء قرارات الشراء.
وفي سبتمبر واصلت تسجيلات السيارات الجديدة في الاتحاد الأوروبي تراجعها، بقيادة إيطاليا وفرنسا وألمانيا، حسب بيانات جمعية مصنعي السيارات الأوروبية (إيه سي إي إيه).
واستحوذت السيارات العاملة بالبنزين على 29.8% من السوق الأوروبية، ونظيرتها العاملة بالديزل 10.4%، والكهربائية العاملة بالبطاريات 17.3%، والهجينة 32.8%.
حصة السيارات الكهربائية من السوق الأوروبية
الشهر
الحصة السوقية
أغسطس 2024
%14.4
يوليو 2024
%12.1
يونيو 2024
%14.4
مايو 2024
%12.5
أبريل 2024
%11.9
مارس 2024
%13.0
فبراير
%12.0
يناير
%10.9
خطوة حاسمة ربما في الاتجاه الخاطىء
بعدما خلص تحقيق أوروبي إلى أن دعم بكين يقوض الصناعة المحلية، فرضت بروكسل أمس رسوم جمركية باهظة على السيارات الكهربائية المصنعة في الصين، رغم معارضة قوية من المجر وألمانيا وسط مخاوف من إثارة غضب الصين وإشعال حرب تجارية مريرة.
وبالتالي سيواجه المستهلكون في أوروبا أسعارًا أعلى للسيارات الكهربائية المصنعة في الصين بسبب دخول تلك الرسوم الإضافية حيز التنفيذ
في خطوة انتقدتها بكين، وقدمت بالفعل شكوى بموجب آلية تسوية النزاعات في منظمة التجارة العالمية، وأوضحت وزارة التجارة الصينية أنها ستتخذ كافة التدابير اللازمة لحماية الحقوق والمصالح المشروعة للشركات المحلية.
لكن لا يوجد حل سهل أو بسيط لتلك المشكلة، فرغم اتباع الاتحاد الأوروبي نهج الولايات المتحدة في رفع الرسوم الجمركية على السيارات المستورة من الصين، إلا أن قادة الصناعة يرون أن ذلك سيزيد الأمر سوءًا.
يرى “كارلوس تافيرس” المدير التنفيذي لـ “ستيلانتيس” و”أوليفر زيبسي” مدير “بي إم دبليو” أن الحمائية فقط ستجعل السيارات أغلى سعرًا بالنسبة للمستهلكين وستتسبب في تسريع وتيرة إغلاقات المصانع في أوروبا.
وعلى هامش معرض باريس للسيارات، ذكر “زيبسي”: لسنا بحاجة للحماية، موضحًا أن شركات صناعة السيارات الأوروبية لا ينبغي أن تكون خائفة للغاية بشأن المنافسة الصينية.
وفي حال اختارت الشركات الصينية التحايل على الرسوم الجمركية الأوروبية بفتح مواقع تصنيعية في أوروبا – كما فعلت نظيراتها اليابانية في الثمانينيات والتسعينيات – فإن الطاقة الفائضة في صناعة السيارات الأوروبية سوف تزداد سوءًا.
لأنها بالتأكيد ستختار مواقع منخفضة التكلفة في شرق أوروبا لإنتاج مركباتها وخاصة في دول مثل المجر، وهو ما يضع المزيد من الضغوط التصنيعية على الدول مرتفعة التكلفة، ويقلل من فعالية الرسوم الجمركية بالنسبة للشركات الفرنسية والألمانية.
ما الحل؟
تحث الشركات المصعنة الحكومات على طرح البنية التحتية لشحن السيارات، وتقديم حوافز مالية للمركبات الكهربائية، ولكن ذلك لن يساعد في إنعاش الصادرات الضعيفة خارج القارة.
لذلك فإن العمل مع شركات صناعة السيارات الصينية التي بإمكانها إنتاج سيارات كهربائية – صديقة للبيئة – بجودة عالية وتكلفة أقل، قد يوفر للمنافسين شبكة توزيع جاهزة في أوروبا مما يسرع من توسعهم.
لأن قيادة الصين في مجال الدفع الكهربائي لا تتعلق فقط بالتكلفة، بل هناك فجوة كبيرة أخرى في التكنولوجيا.
وبالفعل تتعاون “فولكس فاجن” مع الصينية “إكس بنج” لتطوير المركبات الكهربائية بسرعة أكبر وتكلفة أقل، وتشاركت “رينو” الفرنسية مع “جيلي” – مالكة “فولفو” – لتطوير محركات احتراق أكثر تقدمًا.
ويرى “كريستوف ويبر” الذي يدير الأعمال الصينية لمجموعة البرمجيات الهندسية السويسرية “أوتو فورم” أن شركات صناعة السيارات الأوروبية والأمريكية بحاجة لتغيير جذري في طريقة عملها إذا كانت تريد أن تضاهي السرعة التي تتبنى بها منافساتها الصينية التقنيات والتصميمات الجديدة.
وأضاف أن انضمام شركات الاتصالات والتكنولوجيا الكبرى مثل “هواوي” و”شاومي” إلى قطاع السيارات يمثل تهديدًا جديدًا لشركات صناعة السيارات الأجنبية.
وتتحرك شركات مثل “تويوتا” اليابانية بالفعل لمواجهة ذلك التهديد من خلال الشراكة النشطة مع “هواوي” في الصين، حسبما ذكر “تانغ جين” كبير مسؤولي الأبحاث لدى “ميزوهو بنك” في طوكيو
لكن ربما تتسع دائرة المنافسة في صناعة السيارات إلى القيادة الذاتية والأتمتة، والتي تتنافس فيها بالفعل “تسلا” الأمريكية مع “بي واي دي” و”هواوي” وشركات صينية أخرى.
المصادر: فاينانشال تايمز – جمعية مصنعي السيارات الأوروبية – نيويورك تايمز