– شهد عالم الرياضة في السنوات الأخيرة ثورة حقيقية، وذلك مع ظهور رياضات إلكترونية جديدة تعتمد على التكنولوجيا المتقدمة وألعاب الفيديو المعقدة، فالنجاح في هذه المسابقات، لا يقتصر على القوة البدنية، بل يتطلب مهارات ذهنية عالية وسرعة بديهة.
– وقد أصبحت هذه الرياضات ظاهرة عالمية، تجذب ملايين اللاعبين والمشاهدين، وتتحدى المفاهيم التقليدية للرياضة والترفيه، وقد ساهمت الجائحة في تسريع هذا التحوّل، مما يجعلنا نتساءل عن مستقبل الرياضات التقليدية في ظل هذا التطور التكنولوجي المتسارع.
– وبالعودة إلى سبعينيات القرن العشرين التي شهدت ميلاد ظاهرة جديدة أحدثت ثورة في عالم الترفيه، ألا وهي ألعاب الفيديو، ومع انتشار هذه الألعاب، برزت بشكل طبيعي روح التنافس بين اللاعبين.
– وتجسد هذا التنافس في بداياته من خلال مسابقات الآركيد الشهيرة، التي شهدت تنافسًا محتدمًا على تحقيق أعلى الدرجات في ألعاب كلاسيكية مثل دونكي كونج وتيتريس وسبيس إنفيدرز.
– ومع انتقال الألعاب إلى عالم الإنترنت، تطورت مسابقات الألعاب إلى شكلها الحالي، حيث أصبح بإمكان اللاعبين من جميع أنحاء العالم التنافس في الوقت الفعلي.
– وشهدت هذه المسابقات نموًا هائلاً في أواخر التسعينيات، وباتت تستقطب ملايين المتابعين وتقدم جوائز مالية ضخمة، ففي عام 2005، تجاوزت قيمة جوائز دوري اللاعبين المحترفين للرياضات الإلكترونية مليون دولار لأول مرة.
– واليوم، وصلت قيمة جوائز بعض البطولات إلى عشرات الملايين من الدولارات، كما حدث في بطولة ذي إنترناشيونال 2021 التي خصصت أكثر من 40 مليون دولار للفائزين.
– وفي واقع الأمر، يمكن أن تكون الجوانب المالية للأحداث الرياضية الإلكترونية معقدة للغاية، خاصة في ظل غياب سلطة مركزية تتولى تنظيمها وإدارتها في معظم الألعاب.
– لذا، تقع مسؤولية تنظيم هذه الأحداث وتمويلها على عاتق المجتمع المحيط بكل لعبة على حدة، وهذا الوضع شائع في الألعاب القديمة والأقل شهرة، والتي غالبًا ما تنظم بطولاتها بشكل مستقل عن مطوريها.
– غير أن بعض الشركات المطورة، مثل نينتندو، تفرض قيودًا صارمة على تنظيم البطولات لألعابها، حيث تحدد أقصى عدد للمشاركين وقيمة الجوائز.
– ويختلف هذا الأمر تمامًا عن الشركات المطورة للألعاب الشهيرة مثل فورتنايت وليج أوف ليجندز ودوتا 2، والتي تستضيف بطولاتها الخاصة وتحقق عوائد مالية جيدة.
– تتمتع هذه الألعاب بفضل شعبيتها الكبيرة، بمتابعة واسعة من قبل مجتمع اللاعبين، ما يتيح لمطوريها الترويج لبطولاتهم بسهولة عبر وسائل التواصل الاجتماعي وداخل اللعبة نفسها.
– كما تستفيد هذه الشركات من علاقاتها الواسعة في الصناعة لتأمين الرعاية المالية اللازمة للأحداث الكبرى التي تُقام بشكل مباشر.
– على النقيض من ذلك، تُدار الألعاب الرياضية التقليدية بشكل حصري من قِبل اتحادات راسخة تحقق معظم إيراداتها من بيع حقوق البث التلفزيوني.
– أما الرياضات الإلكترونية، فتعتمِد بشكل رئيسي على الرعاية الإعلانية، حيث تُبث مبارياتها مجانًا عبر منصات مثل يوتيوب وتويتش.
– يعكس هذا الاختلاف في مصادر الدخل حجم كل صناعة، فلو حظيت الرياضات الإلكترونية بشعبية مماثلة لكرة القدم الأمريكية، لتمكنت بالتأكيد من إبرام صفقات بث ضخمة.
– علاوة على ذلك، تتطلب الرياضات التقليدية ملاعب ضخمة مكلفة، بينما تتميز الرياضات الإلكترونية بمرونة أكبر حيث يمكن إجراؤها في أي مكان تقريبًا.
– ومع ذلك، تشهد الرياضات الإلكترونية أيضًا إقبالًا كبيرًا على البطولات الحية، كما حدث في بطولة إنتل إكستريم ماسترز 2017 التي استقطبت 173,000 متفرج في كاتوفيتشي، في بولندا عام 2017.
– ولا يتطلب إنشاء فريق رياضات إلكترونية استثمارات باهظة، بل يكفي تكاتف مجموعة من اللاعبين المحترفين لتأسيس فريقهم الخاص، دون الحاجة إلى ميزانية ضخمة.
– صحيح أن معظم اللاعبين المحترفين ينضمون في النهاية إلى فرق منظمة، إلا أن الانطلاقة الذاتية تبقى خيارًا مجانيًا ومتاحًا للجميع.
– وتتميز الفرق الاحترافية الكبرى في عالم الرياضات الإلكترونية بمنظمات ضخمة تشبه إلى حد كبير الأندية الرياضية التقليدية، حيث تضم مدربين وأقسامًا إعلامية وعلاقات عامة.
– كما تتميز هذه الفرق بمرونة أكبر، حيث يمكنها المشاركة في عدة ألعاب مختلفة في آن واحد، كما هو الحال مع عملاقيِ الصناعة كلاود9 وفيز كلان اللذين يمتلكان فرقًا في أكثر من 10 ألعاب.
– بالإضافة إلى ذلك، تتجه العديد من الأندية إلى إنتاج المحتوى الرقمي، من خلال الشراكة مع أشهر المؤثرين ومبدعي المحتوى، بهدف بناء مجتمع قوي وتعزيز هوية العلامة التجارية.
– تشير تقديرات شوتي وزملاؤه (2023) إلى أن القيمة الإجمالية للأندية الأعلى تقييماً تتجاوز 3 مليارات دولار.
– ورغم أن هذا الرقم لا يضاهي قيمة فريق متوسط في دوري كرة القدم الأمريكية (NFL) والتي تقدر بحوالي 5 مليارات دولار، إلا أنه يمثل إنجازًا لافتًا لقطاع لا يزال في بداياته.
– والشاهد هنا أن صناعة الألعاب الإلكترونية حققت نموًا هائلًا يتجاوز بكثير نظيراتها التقليدية.
ففي حين تكاد معدلات نمو الرياضات التقليدية تتباطأ، إن لم تكن سلبية، فإن صناعة الألعاب الإلكترونية تسجل أرقامًا قياسية.
– تشير التقديرات إلى نمو سنوي مركب بنسبة 13.8% على مدى السنوات الخمس المقبلة، وهو ما يفوق بكثير معدلات نمو دوريات رياضية عريقة مثل دوري كرة القدم الأمريكية.
– يعود جزء كبير من هذا النجاح إلى قاعدة جماهيرية شابة ومتنامية، والتي ستدعم الصناعة مالياً مع تقدمها في السن ودخولها سوق العمل.
– وختامًا، تشكّل صناعة الألعاب الإلكترونية ظاهرة ثقافية واقتصادية واعدة، نشأت من اهتمام الشباب بالألعاب التنافسية، وقد تمكنت من تقديم تجربة ترفيهية فريدة تجذب ملايين اللاعبين والمشاهدين حول العالم.
– وتشير التوقعات إلى نمو هائل في إيراداتها، مما يجعلها هدفًا جذابًا للمستثمرين.
ومع تزايد الابتكارات التكنولوجية، ستشهد الصناعة تطورات مذهلة ستعيد تعريف مفهوم الترفيه.
– ورغم أنها لا تزال في مرحلة النمو، إلا أنها تمتلك القدرة على منافسة الصناعات الترفيهية التقليدية وتحقيق نجاحات غير مسبوقة.
المصدر: ميشيغان جورنال أوف إيكونوميك