نجحت سياسة الاحتياطي الفيدرالي في إنقاذ الاقتصاد من التضخم المرتفع دون التخلي عن الملايين من العاملين، فعندما عانت البلاد من أعلى معدلات التضخم في 40 عامًا، رفع البنك المركزي برئاسة “جيروم باول” الفائدة 11 مرة من أجل تهدئة الاقتصاد.
وحاليًا يتباطأ التضخم وسوق العمل لا يزال قويًا ولم ينزلق الاقتصاد الأكبر في العالم نحو الركود، وأصبح التركيز ينحسر حول متى سيبدأ الفيدرالي في خفض الفائدة من أعلى مستوياتها في 22 عامًا؟
وأجاب “باول” في مقابلة مع “سي بي إس نيوز” مؤخرًا عن هذا السؤال قائلاً: نريد أن نرى المزيد من الأدلة على تحرك التضخم بشكل مستدام نحو المستهدف البالغ 2%، لدينا بعض الثقة في ذلك، نريد فقط المزيد من الثقة قبل أن نتخذ هذه الخطوة الهامة للغاية.
وأظهرت بيانات مؤشر أسعار المستهلكين، أن معدل التضخم السنوي بلغ 3.4% في ديسمبر، أي لا يزال أعلى من مستهدف الفيدرالي البالغ 2%، ومن المفترض أن يٌظهر تقرير يناير الذي سيصدر الأسبوع المقبل المزيد من التباطؤ.
لكن مع المعلوم أن بيانات يناير تكون مختلفة بعض الشىء، نظرًا لأن العديد من الشركات تقوم برفع أسعار منتجاتها وخدماتها في بداية كل عام، وهي خطوة تتسبب أحيانًا في زيادة كبيرة غير متوقعة في قراءة التضخم لهذا الشهر.
كما تباطأ المقياس المفضل للتضخم لدى الاحتياطي الفيدرالي، وارتفع مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي – الذي يستثني مكونات الغذاء والطاقة المتقلبة – بنسبة 2.9% في ديسمبر مقارنة بالعام السابق.
هل حان الوقت لخفض الفائدة؟
أعرب معظم مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي عن تفاؤلهم بأنه حتى مع استمرار النمو الاقتصادي وسوق العمل، فإن ضغوط التضخم ستستمر في التباطؤ، لكنهم يحذرون أيضًا من أن الاقتصاد يبدو قويًا لدرجة أن هناك خطرًا حقيقيًا من احتمالية تسارع وتيرة ارتفاع الأسعار مرة أخرى.
ويشعر بعضهم بالقلق من أنهم إذا خفضوا الفائدة حاليًا وتسارع التضخم مرة أخرى، فقد يضطر الفيدرالي إلى تغيير موقفه وربما يلجأ لرفع الفائدة مجددًا.
أشار “توم باركين” رئيس الاحتياطي الفيدرالي في ريتشموند في خطاب ألقاه هذا الأسبوع إلى أن التاريخ يروي العديد من القصص عن التضخم المزيف، ففي عام 1986 – عندما كان “بول فولكر” رئيسًا للاحتياطي الفيدرالي – بدا التضخم مهزومًا، وخفض البنك المركزي الفائدة، لكن التضخم تصاعد مرة أخرى في العام التالي، مما دفع البنك إلى عكس مساره، وأضاف “باركين” قائلاً: أود أن أتجنب هذا التقلب.
وقد يفسر ذلك ما قاله أيضًا العديد من المسؤولين أنهم يريدون المزيد من الوقت لمعرفة ما إذا كان التضخم سيستمر في التباطؤ، بينما أوضح مسؤولون آخرون أن الاحتياطي الفيدرالي يحاول الموازنة بين مخاطر خفض الفائدة في وقت مبكر للغاية – والذي قد يؤدي إلى تسارع التضخم مرة أخرى – وإبقاء الفائدة مرتفعة للغاية لفترة طويلة جدًا، مما قد يؤدي إلى الركود.
وتشير توقعات أغلب الاقتصاديين حاليًا إلى احتمالية بدء خفض الفائدة الأمريكية بحلول شهر مايو أو يونيو من هذا العاام.
تداعيات ارتفاع الفائدة
إذا كانت معدلات الاقتراض المرتفعة بالكاد تقيد الاقتصاد، فإن بعض المسؤولين قد يرون أن الفائدة يجب أن تظل مرتفعة لفترة أطول أو أنه هناك حاجة لتخفيضات قليلة في الفائدة.
ذكرت رئيسة الاحتياطي الفيدرالي في كليفلاند “لوريتا ميستر” أنه ليست هناك حاجة ملحة، قائلة: أعتقد أنه في وقت لاحق من هذا العام، إذا تطورت الأمور كما هو متوقع، فسنكون قادرين على البدء في خفض الفائدة.
إلا أن هذا الحذر يحمل في طياته مخاطر، لأن الاقتصاد يتجه حاليًا نحو الهبوط الناعم أي يهزم التضخم دون حدوث ركود أو ارتفاع البطالة، ولكن كلما ظلت معدلات الاقتراض مرتفعة لفترة أطول، كلما زاد خطر توقف العديد من الشركات والمستهلكين عن الاقتراض، وهو ما يضعف الاقتصاد وربما يدفعه للركود.
كما أن أسعار الفائدة المرتفعة قد تؤدي إلى تفاقم معاناة البنوك المثقلة بالقروض العقارية التجارية الرديئة والتي سيكون من الصعب إعادة تمويلها بأسعار فائدة أعلى.
المصدر: أرقام – أسوشيتيد برس – سي بي إس نيوز – ماركت ووتش